سمع أحد الملوك أن في بلاد الهند شجرة عجيبة، و أن من أكل من ثمارها لا يشيب، ولا تدركه الشيخوخة! ففكربالحصول عليها، و الإتيان بها إلى بلاده مهما كلفه ذلك من ثمن! فاختار شابا قويا ذكيا، و زوده بالمال و بما يحتاج إليه في رحلته، وأرسله إلى بلاد الهند! مضى ذلك الشاب و هو يأمل أن يحصل على تلك الشجرة، و أخذ ينتقل من بلد إلى بلد يسأل عنها، و لكنه كلما سأل أحدا هزئ به و سخر منه! و في أحد الأيام كان التعب قد أضناه، فوقف قرب بستان يستظل بظل شجرة، فرآه البستاني فأكرمه، و سأله عن حاجته،فأخبره عن سبب رحلته،فقال البستاني: إن شجرة بهذه الصفات ليس لها وجود إلا في رأس من فقدوا عقولهم، ألا ترى أني أصبحت شيخا عجوزا و أنا في بلاد الهند؟! فلو كانت موجودة لأخذت منها، و لرأيتني شابا، فتركه، و لم يقتنع بكلامه،و تابع سفره، حتى وصل إلى ميدان لسباق الخيل فوجد مجموعة من الشباب الأقوياء، فقال في نفسه:لابد أن يكون هؤلاء ممن عرفوا الشجرة، و أكلوا من ثمارها، و الذي يؤكد لي ذلك أنني لا أرى فيهم عجوزا و لا صاحب شيب، فتقدم إليهم و سألهم، فظنوا أنه يسخر منهم،فأخرجوه بعيدا عن الميدان، و طردوه شر طردة؟!
مضت عليه الأيام و الشهور، و بذل ما معه من مال، و لكنه لم يصل إلى مبتغاه، و في إحدى جولاته بدأ اليأس يتسلل إلى نفسه، فعزم على الرجوع و إخبار الملك بأنه لم يرى الشجرة و لم يجد لها أثرا، و بينما هو في طريقه للعودة لقي شيخا جليلا تعلوه المهابة و الوقار، و تبدو عليه علامات الجد و الحزم، فقص عليه قصته و أنه في غاية الحزن و اليأس.
فقال الشيخ: إن اليأس لا ينفع شيئا، لأن الشجرة التي تسأل عنها موجودة. فصاح الشاب متلهفا: و أين هي؟ هل تعرفها أنت بالذات؟ قال الشيخ: نعم أعرفها.قال الشاب: صفها لي! قال الشيخ: إسمع يا بني و أصغ إلي جيدا إن هذه الشجرة هي شجرة العلم، وهي شجرة عالية بعيدة عن متناول اليائسين. قال الشاب: و أين أجدها؟ قال الشيخ: تجدها في مجالس العلم، و حلقلت طلاب المعرفة، و لكن إحذر أن يكون نصيبك منها النظر و الإعجاب فقط! وعليك أن تهزها بلطف، و تلتقط ثمارها بحب و شوق.
فعاد الشاب منشرح الصدر إلى الملك بعد غياب طويل و قال:يا مولاي! إن الشجرة التي أرسلتني من أجلها تزرع فب المدارس و المعاهد و تؤتي ثمارها كل حين، إنها شجرة العلم الذي يجب أن يعم البلاد. ففرح الملك بذلك و أمر بتنفيذ ما سمع منه.